الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا ذَمٌّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ لِلنَّصَارَى وَالنَّصْرَانِيَّةِ، الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سُبُلِ السَّلَامِ وَاحْتِجَاجٌ مِنْهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ بِادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أُقْسِمُ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ"كُفْرُهُمْ" فِي ذَلِكَ، تَغْطِيَتُهُمُ الْحَقَّ فِي تَرْكِهِمْ نَفْيَ الْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ، فِرْيَةً وَكَذِبًا عَلَيْهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى: "الْمَسِيح" فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ..
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، لِلنَّصَارَى الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَيَّ، وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ بِقِيلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ: "مَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا"، يَقُولُ: مَنِ الَّذِي يُطِيقُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ شَيْئًا، فَيَرُدُّهُ إِذَا قَضَاهُ. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "مَلَكْتُ عَلَى فُلَانٍ أَمْرَهُ"، إِذَا صَارَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنَفِّذَ أَمْرًا إِلَّا بِهِ. وَقَوْلُهُ: " {إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} "، يَقُولُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا، إِنْ شَاءَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، بِإِعْدَامِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَإِعْدَامِ أُمِّهِمَرْيَمَ، وَإِعْدَامِ جَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ جَمِيعًا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مَنَ النَّصَارَى: لَوْ كَانَ الْمَسِيحُ كَمَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَقَدَرَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَ اللَّهِ إِذَا جَاءَهُ بِإِهْلَاكِهِ وَإِهْلَاكِ أُمِّهِ. وَقَدْ أَهْلَكَ أُمَّهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ أَمْرِهِ فِيهَا إِذْ نَزَلَ ذَلِكَ. فَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُعْتَبَرٌ إِنِ اعْتَبَرْتُمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْكُمْ إِنْ عَقِلْتُمْ: فِي أَنَّ الْمَسِيحَ، بَشَرٌ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي لَا يُغْلَبُ وَلَا يُقْهَرُ وَلَا يُرَدُّ لَهُ أَمْرٌ، بَلْ هُوَ الْحَيُّ الدَّائِمُ الْقَيُّومُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُنْشِئُ وَيُفْنِي، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ: وَاللَّهُ لَهُ تَصْرِيفُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَعْنِي: وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يُهْلِكُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ مِنْهُ، وَيُوجِدُ مَا أَرَادَ وَيُعْدِمُ مَا أَحَبَّ، لَا يَمْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ دَافِعٌ، يُنْفِذُ فِيهِمْ حُكْمَهُ، وَيُمْضِي فِيهِمْ قَضَاءَهُ لَا الْمَسِيحُ الَّذِي إِنْ أَرَادَ إِهْلَاكَهُ رَبُّهُ وَإِهْلَاكَ أُمِّهِ، لَمْ يَمْلِكْ دَفْعَ مَا أَرَادَ بِهِ رَبُّهُ مِنْ ذَلِكَ. يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا يُعْبَدُ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِ مَا أَرَادَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ السُّوءِ، وَغَيْرَ قَادِرٍ عَلَى صَرْفِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ؟ بَلِ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ تَصْرِيفُ كُلِّ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "وَمَا بَيْنَهُمَا"، وَقَدْ ذَكَرَ "السَّمَوَاتِ" بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلَمْ يَقُلْ: "وَمَا بَيْنَهُنَّ"، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَمَا بَيْنَ هَذَيْنَ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، كَمَا قَالَ الرَّاعِي: طَرَقَا، فَتِلْكَ هَمَاهِمِي، أَقْرِيهِمَا *** قُلُصًا لَوَاقِحُ كَالْقِسِيِّ وَحُولَا فَقَالَ: "طَرَقًا"، مُخْبِرًا عَنْ شَيْئَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "فَتِلْكَ هَمَاهِمِي"، فَرَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ: "يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ"، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيُنْشِئُ مَا يَشَاءُ وَيُوجِدُهُ، وَيُخْرِجُهُ مِنْ حَالِ الْعَدَمِ إِلَى حَالِ الْوُجُودِ، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ، أَنَّ لَهُ تَدْبِيرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَتَصْرِيفَهُ، وَإِفْنَاءَهُ وَإِعْدَامَهُ، وَإِيجَادَ مَا يَشَاءُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مُنْشَأٍ. يَقُولُ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَايَ، فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ، أَيُّهَا الْكَذَبَةُ، أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ، وَهُوَ لَا يُطِيقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ أُمِّهِ، وَلَا اجْتِلَابِ نَفْعٍ إِلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِي؟
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: اللَّهُ الْمَعْبُودُ، هُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمَالِكُ كُلَّ شَيْءٍ، الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ، الْمُقْتَدِرُ عَلَى هَلَاكِ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا لَا الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ ضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَلَا مَنْعِ أُمِّهِ مِنَ الْهَلَاكِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَسْمِيَةُ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِنَ الْيَهُودِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ، فَقَالُوا: مَا تُخَوِّفُنَا، يَا مُحَمَّدُ !! نَحْنُ وَاللَّهِ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ!! كَقَوْلِ النَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِيهِمْ: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ"»، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} "، أَمَّا "أَبْنَاءُ اللَّهِ"، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى إِسْرَائِيلَ أَنَّ وَلَدًا مَنْ وَلَدِكَ، أُدْخِلُهُمُ النَّارَ، فَيَكُونُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى تُطَهِّرَهُمْ وَتَأْكُلَ خَطَايَاهُمْ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَنْ أَخْرِجُوا كُلَّ مَخْتُونٍ مِنْ وَلَدِ إِسْرَائِيلَ، فَأُخْرِجُهُمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 24]. وَأَمَّا النَّصَارَى، فَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ قَالَ لِلْمَسِيحِ: ابْنُ اللَّهِ. وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْخَبَرَ، إِذَا افْتَخَرَتْ، مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا افْتَخَرَتْ بِهِ مِنْ فِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَتَقُولُ: "نَحْنُ الْأَجْوَادُ الْكِرَامُ"، وَإِنَّمَا الْجَوَادُ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَغَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ الْفَاعِلُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ: نَدَسْنَا أَبَا مَنْدُوسَةَ الْقَيْنَ بِالْقَنَا *** وَمَارَ دَمٌ مِنْ جَارِ بَيْبَةَ نَاقِعُ فَقَالَ: "نَدَسْنَا"، وَإِنَّمَا النَّادِسُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِ جَرِيرٍ غَيْرُهُ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ جَمَاعَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ. فَكَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنِ النَّصَارَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ، عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: "وَأَحِبَّاؤُهُ"، وَهُوَ جَمْعُ "حَبِيبٍ". يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ" لِهَؤُلَاءِ الْكَذَبَةِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبِّهِمْ "فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ" رَبُّكُمْ، يَقُولُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ يُعَذِّبُكُمْ رَبُّكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَإِنَّ الْحَبِيبَ لَا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَدَ الْأَيَّامِ الَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْلَ، ثُمَّ يُخْرِجُنَا جَمِيعًا مِنْهَا، فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لَهُمْ: إِنْ كُنْتُمْ، كَمَا تَقُولُونَ، أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ يُعَلِّمُهُمْ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْ لَهُمْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ "بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ"، يَقُولُ: خَلْقٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، خَلَقَكُمُ اللَّهُ مِثْلَ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، إِنْ أَحْسَنْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِحْسَانِكُمْ، كَمَا سَائِرُ بَنِي آدَمَ مَجْزِيُّونَ بِإِحْسَانِهِمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِسَاءَتِكُمْ، كَمَا غَيْرُكُمْ مَجْزِيٌّ بِهَا، لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا مَا لِغَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ ذُنُوبَهُ، فَيَصْفَحُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ، وَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ، فَلَا يُعَاقِبُهُ بِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "المَغْفِرَةِ"، فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.. "وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ" يَقُولُ: وَيَعْدِلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذُنُوبِهِ، وَيَفْضَحُهُ بِهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فَلَا يَسْتُرُهَا عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمُتَّكِلِينَ عَلَى مَنَازِلِ سَلَفِهِمُ الْخِيَارِ عِنْدَ اللَّهِ، الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَاجْتَبَاهُمْ لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى رِضَاهُ، وَاصْطِبَارِهِمْ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ. يَقُولُ لَهُمْ: لَا تَغْتَرُّوا بِمَكَانِ أُولَئِكَ مِنِّي وَمَنَازِلِهِمْ عِنْدِي، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا مَا نَالُوا مِنِّي بِالطَّاعَةِ لِي، وَإِيثَارِ رِضَايَ عَلَى مَحَابِّهِمْ لَا بِالْأَمَانِيِّ، فَجَدُّوا فِي طَاعَتِي، وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِي، وَانْزَجَرُوا عَمَّا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا أَغْفِرُ ذُنُوبَ مَنْ أَشَاءُ أَنْ أَغْفِرَ ذُنُوبَهُ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِي، وَأُعَذِّبُ مَنْ أَشَاءُ تَعْذِيبَهُ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِي لَا لِمَنْ قَرَّبْتُ زُلْفَةً آبَائَهُ مِنِّي، وَهُوَ لِي عَدُوٌّ، وَلِأَمْرِي وَنَهْيِي مُخَالِفٌ. وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: " {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} "، يَقُولُ: يَهْدِي مِنْكُمْ مَنْ يَشَاءُ فِي الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لَهُ، وَيُمِيتُ مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ عَلَى كُفْرِهِ فَيُعَذِّبُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ: لِلَّهِ تَدْبِيرُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَتَصْرِيفُهُ، وَبِيَدِهِ أَمْرُهُ، وَلَهُ مُلْكُهُ، يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَيُدَبِّرُهُ كَيْفَ أَحَبَّ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ مُلْكٌ. فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: "نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ"، أَنَّهُ إِنْ عَذَّبَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَكُمْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَلَا لَكُمْ عَنْهُ دَافِعٌ، لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَ أَحَدٍ وَبَيْنَهُ فَيُحَابِيهِ لِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَا لِأَحَدِ فِي شَيْءٍ دُونَهُ مُلْكٌ، فَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِنْ أَرَادَ تَعْذِيبَهُ بِذُنُوبِهِ، وَإِلَيْهِ مَصِيرُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَرْجِعُهُ. فَاتَّقُوا أَيُّهَا الْمُفْتَرُونَ عِقَابَهُ إِيَّاكُمْ عَلَى ذُنُوبِكُمْ بَعْدَ مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِالْأَمَانِيِّ وَفَضَائِلِ الْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ"، الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْ: بَعْضَهُمْ، فِيمَا ذُكِرَ لَمَّا دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالُوا: مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَنْزَلَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ كِتَابًا! حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ لِلْيَهُودِ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ! لَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ! فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمَلَةَ وَوَهْبُ بْنُ يَهُودَا مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي [ذَلِكَ مِنْ] قَوْلِهِمَا "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "فَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا"، قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولُنَا "يُبَيِّنُ لَكُمْ"، يَقُولُ: يُعَرِّفُكُمُ الْحَقَّ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ أَعْلَامَ الْهُدَى، وَيُرْشِدُكُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ الْمُرْتَضَى، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: " {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} "، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ بِالْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فِيهِ بَيَانُ اللَّهِ وَنُورُهُ وَهُدَاهُ، وَعِصْمَةٌ لِمَنْ أَخَذَ بِهِ. "عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ"، يَقُولُ: عَلَى انْقِطَاعٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ "الفَتْرَةُ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الِانْقِطَاعُ يَقُولُ: قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمُ الْحَقَّ وَالْهُدَى، عَلَى انْقِطَاعٍ مِنَ الرُّسُلِ. وَ "الفَتْرَةُ" "الْفِعْلَةُ" مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "فَتَرَ هَذَا الْأَمْرُ يَفْتُرُ فُتُورًا"، وَذَلِكَ إِذَا هَدَأَ وَسَكَنَ. وَكَذَلِكَ "الْفَتْرَةُ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَعْنَاهَا: السُّكُونُ، يُرَادُ بِهِ سُكُونَ مَجِيءِ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ انْقِطَاعُهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ مُدَّةِ تِلْكَ الْفَتْرَةِ، فَاخْتُلِفَ فِي الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ. فَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْهُ مَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: "عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ" قَالَ: كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهُ مَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتِ الْفَتْرَةُ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ، أَوْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ قَوْلَهُ: " {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} "، قَالَ: كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِمَا خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ قَتَادَةُ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا:- حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ"، قَالَ: كَانَتِ الْفَتْرَةُ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: "أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ" أَنْ لَا تَقُولُوا، وَكَيْ لَا تَقُولُوا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 176]، بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَضِلُّوا، وَكَيْ لَا تَضِلُّوا. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، كَيْ لَا تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ. يُعَلِّمُهُمْ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَدْ قَطَعَ عُذْرَهُمْ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّةِ. وَيَعْنِي بِـ "البَشِيرِ"، الْمُبَشِّرَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَآمَنَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَعَمِلَ بِمَا أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بِعَظِيمِ ثَوَابِهِ فِي آخِرَتِهِ وَبِـ "النَّذِيرِ"، الْمُنْذِرَ مَنْ عَصَاهُ وَكَذَّبَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِغَيْرِ مَا أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، بِمَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنَ أَلِيمِ عِقَابِهِ فِي مَعَادِهِ، وَشَدِيدِ عَذَابِهِ فِي قِيَامَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ: قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكُمْ، وَاحْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِرَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ، وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا: " {لَمْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِكَ رَسُولٌ يُبَيِّنُ لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ"}، فَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِي رَسُولٌ يُبَشِّرُ مَنْ آمَنَ بِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْتُهُ عَنْهُ، وَيُنْذِرُ مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي، وَأَنَا الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَقْدِرُ عَلَى عِقَابِ مَنْ عَصَانِي، وَثَوَابِ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّقُوا عِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّايَ وَتَكْذِيبِكُمْ رَسُولِي، وَاطْلُبُوا ثَوَابِي عَلَى طَاعَتِكُمْ إِيَّايَ وَتَصْدِيقِكُمْ بَشِيرِي وَنَذِيرِي، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ اللَّهِ تَعْرِيفٌ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدِيمَ تَمَادِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ فِي الْغَيِّ، وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَشِدَّةِ خِلَافِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ، وَبُطْءِ إِنَابَتِهِمْ إِلَى الرَّشَادِ، مَعَ كَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ، وَتَتَابُعِ أَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عَلَيْهِمْ مُسَلِّيًا بِذَلِكَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ بِهِ مِنْ عِلَاجِهِمْ، وَيَنْزِلُ بِهِ مِنْ مُقَاسَاتِهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَأْسَ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الذَّهَابَ عَنِ اللَّهِ، وَالْبُعْدَ مِنَ الْحَقِّ، وَمَا فِيهِ لَهُمُ الْحَظُّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ عَادَاتِهِمْ وَعَادَاتِ أَسْلَافِهِمْ وَأَوَائِلِهِمْ وَتَعَزَّ بِمَا لَاقَى مِنْهُمْ أَخُوكَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى لَهُمْ: " {يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} "، يَقُولُ: اذْكُرُوا أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ، وَآلَاءَهُ قِبَلَكُمْ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: " {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} "، قَالَ: أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: " {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} " يَقُولُ: عَافِيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا قُلْنَا، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ مِنَ النِّعَمِ شَيْئًا، بَلْ عَمَّ ذَلِكَ بِذِكْرِ النِّعَمِ، فَذَلِكَ عَلَى الْعَافِيَةِ وَغَيْرِهَا، إِذْ كَانَتْ "العَافِيَةُ" أَحَدَ مَعَانِي "النِّعَمِ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّ مُوسَى ذَكَّرَ قَوْمَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَيَّامِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ، وَبِآلَائِهِ قِبَلَهُمْ، مُحَرِّضَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنْ فَضَّلَكُمْ، بِأَنْ جَعْلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ يَأْتُونَكُمْ بِوَحْيهِ، وَيُخْبِرُونَكُمْ بِأَنْبَاءِ الْغَيْبِ، وَلَمْ يُعْطِ ذَلِكَ غَيْرَكُمْ فِي زَمَانِكُمْ هَذَا. فَقِيلَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ جُعِلُوا فِيهِمْ: هُمُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى إِذْ صَارَ إِلَى الْجَبَلِ، وَهُمُ السَّبْعُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 155]. " {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} " سَخَّرَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ خَدَمًا يَخْدُمُونَكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مُوسَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَحَدٌ سِوَاهُمْ يَخْدُمُهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: " {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} "، قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ سُخِّرَ لَهُمُ الْخَدَمُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمَلَكُوا. وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ مَنْ مَلَكَ بَيْتًا وَخَادِمًا وَامْرَأَةً، فَهُوَ "مَلِكٌ"، كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هَانِئٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ! فَقَالَ: إِنَّ لِي خَادِمًا. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ. حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا" فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ وَخَادِمٌ فَهُوَ مَلِك». حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا"، فَقَالَ: وَهَلِ الْمُلْكُ إِلَّا مَرْكَبٌ وَخَادِمٌ وَدَارٌ؟ فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةَ: إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ الدُّورَ وَالْخَدَمَ، وَلَهُمْ نِسَاءٌ وَأَزْوَاجٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: أُرَاهُ عَنِ الْحَكَمِ: " {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} "، قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ بَيْتٌ وَامْرَأَةٌ وَخَادِمٌ، عُدَّ مَلِكًا. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ ح، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا" قَالَ: الدَّارُ وَالْمَرْأَةُ، وَالْخَادِمُ قَالَ سُفْيَانُ: أَوِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} " قَالَ: الْبَيْتُ وَالْخَادِمُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} " قَالَ: الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالْبَيْتُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا" قَالَ: جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} " قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالدَّارُ يُسَمَّى مَلِكًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا" قَالَ: مُلْكُهُمُ الْخَدَمُ قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَوَّلَ مَنْ مَلَكَ الْخَدَمَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} " قَالَ: جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا" أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا" يَمْلِكُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتُلِفَ فِيمَنْ عُنُوا بِهَذَا الْخِطَابِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} "، قَالَا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ قَوْمُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُمْ قَوْمُ مُوسَى. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} "، قَالَ: هُمْ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِ يَوْمئِذٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي آتَاهُمُ اللَّهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرُ وَالْغَمَامُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} " قَالَ: الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرُ وَالْغَمَامُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} "، يَعْنِي: أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَالْغَمَامَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالزَّوْجَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} " قَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالزَّوْجَةُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} "، الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرُ وَالْغَمَامُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} "، فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ: "اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ"، وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} " مَصْرُوفٌ عَنْ خِطَابِ الَّذِينَ ابْتُدِئَ بِخِطَابِهِمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَنْ يَكُونَ خِطَابًا لَهُمْ، أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَهُ: " {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ خِطَابًا، إِذْ كَانَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ قَدْ أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ بِنَبِيِّهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ مُحَمَّدٍ، مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ مِنَ الْعَالَمِينَ فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ"، خِطَابٌ مِنْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ يَوْمَئِذٍ، وَعَنَى بِذَلِكَ عَالَمِي زَمَانِهِ، لَا عَالَمِي كُلِّ زَمَانٍ. وَلَمْ يَكُنْ أُوتِيَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، مَا أُوتِيَ قَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ. فَخَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، لَا عَلَى جَمِيعِ [عَالَمِ] كُلِّ زَمَانٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ-عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِأَمْرِهِمْ- بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي عَنَاهَا بِـ "الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فِي قَوْلِهِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ الطُّورَ وَمَا حَوْلَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} " الطُّورَ وَمَا حَوْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} "، قَالَ: الطُّورَ وَمَا حَوْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الشَّأْمُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} " قَالَ: هِيَ الشَّأْمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَرْضُ أَرْيَحَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: "ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ" قَالَ: أَرْيَحَا. حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: هِيَ أَرْيَحَا. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هِيَ أَرْيَحَا. وَقِيلَ: إِنَّ" الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ " دِمَشْقَ وَفِلَسْطِينَ وَبَعْضَ الْأُرْدُنِّ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: "الْمُقَدَّسَةَ" الْمُطَهَّرَةَ الْمُبَارَكَةَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ"، قَالَ: الْمُبَارَكَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهَا أَرْضٌ دُونَ أَرْضٍ، لَا تُدْرَكُ حَقِيقَةُ صِحَّتِهِ إِلَّا بِالْخَبَرِ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ يَجُوزُ قَطْعُ الشَّهَادَةِ بِهِ. غَيْرَ أَنَّهَا لَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي مَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَعَرِيشِ مِصْرَ، لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَالسِّيَرِ وَالْعُلَمَاءِ بِالْأَخْبَارِ عَلَى ذَلِكَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: " {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} " الَّتِي أَثْبَتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا لَكُمْ مَسَاكِنَ وَمَنَازِلَ دُونَ الْجَبَابِرَةِ الَّتِي فِيهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قَالَ: " {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِقَوْلِهِ: " فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ "؟ فَكَيْفَ يَكُونُ مُثْبِتًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا مَسَاكِنُ لَهُمْ، وَمُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ سُكْنَاهَا؟ قِيلَ: إِنَّهَا كُتِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ دَارًا وَمَسَاكِنَ، وَقَدْ سَكَنُوهَا وَنَزَلُوهَا وَصَارَتْ لَهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى: "ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ"، يَعْنِي بِهَا: كَتَبَهَا اللَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِدُخُولِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَتَبَهَا لِلَّذِينِ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِأَعْيَانِهِمْ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً لِبَعْضِهِمْ وَلِخَاصٍّ مِنْهُمْ فَأُخْرِجَ الْكَلَامُ عَلَى الْعُمُومِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخَاصُّ، إِذْ كَانَ يُوشَعُ وَكَالِبُ قَدْ دَخَلَا وَكَانَا مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقَوْلِ كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، "التِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ"، الَّتِي وَهَبَ اللَّهُ لَكُمْ. وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ: مَعْنَى"كَتَبَ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، بِمَعْنَى: أَمَرَ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} "، الَّتِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ أَمَرَهُمْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ إِيَّاهُ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمُ: امْضُوا، أَيُّهَا الْقَوْمُ، لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ دُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ "وَلَا تَرْتَدُّوا" يَقُولُ: لَا تَرْجِعُوا الْقَهْقَرَى مُرْتَدِّينَ "عَلَى أَدْبَارِكُمْ" يَعْنِي: إِلَى وَرَائِكُمْ، وَلَكِنِ امْضُوا قُدُمًا لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ، مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ وَالْهُجُومِ عَلَيْهِمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَتَبَهَا لَكُمْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: "فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"، أَيْ: تَنْصَرِفُوا خَائِبِينَ هُلَّكًا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الخَسَارَةِ" فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ وَجْهُ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ، إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ: "لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"، أوَ يَسْتَوْجِبُ الْخَسَارَةَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ أَرْضًا جُعِلَتْ لَهُ؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ كَانَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا، فَاسْتَوْجَبَ الْقَوْمُ الْخَسَارَةَ بِتَرْكِهِمْ إذًا فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَضْيِيعٌ فَرْضِ الْجِهَادِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي: خِلَافُهُمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِهِمْ دُخُولَ الْأَرْضِ، وَقَوْلِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُمُ: "ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ": "إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ". وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ" أُمِرُوا بِهَا، كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَابِ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ: أَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ إِجَابَتَهُ إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاعْتَلُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا، إِنَّ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي تَأْمُرُنَا بِدُخُولِهَا، قَوْمًا جَبَّارِينَ لَا طَاقَةَ لَنَا بِحَرْبِهِمْ، وَلَا قُوَّةَ لَنَا بِهِمْ. وَسَمَّوْهُمْ "جَبَّارِينَ"، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لِشِدَّةِ بَطْشِهِمْ وَعَظِيمِ خَلْقِهِمْ، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا، قَدْ قَهَرُوا سَائِرَ الْأُمَمِ غَيْرَهُمْ. وَأَصْلُ "الجَبَّارِ"، الْمُصْلِحُ أَمْرَ نَفْسِهِ وَأَمْرَ غَيْرِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنِ اجْتَرَّ نَفْعًا إِلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ طَلَبَ الْإِصْلَاحِ لَهَا، حَتَّى قِيلَ لِلْمُتَعَدِّي إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ بَغْيًا عَلَى النَّاسِ، وَقَهْرًا لَهُمْ، وَعُتُوًّا عَلَى رَبِّهِ"جَبَّارٌ"، وَإِنَّمَا هُوَ"فَعَّالٌ" مِنْ قَوْلِهِمْ: "جَبَرَ فَلَانٌ هَذَا الْكَسْرَ"، إِذَا أَصْلَحَهُ وَلَأَمَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجُبِرْ *** وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَرْ يُرِيدُ: قَدْ أَصْلَحَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَصَلُحَ. وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ "الْجَبَّارُ"، لِأَنَّهُ الْمُصْلِحُ أَمْرَ عِبَادِهِ، الْقَاهِرُ لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ. وَمِمَّا ذَكَرْتُهُ مِنْ عِظَمِ خَلْقِهِمْ مَا:- حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا مِنْ أَمْرِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرْيَحَا وَهِيَ أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَسَارُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَّارِينَ، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ، يُقَالُ لَهُ: "عَاجٌ "، فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَتِهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ حَمْلَةَ حَطَبٍ، وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: انْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا!! فَطَرَحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: أَلَا أَطْحَنُهُمْ بِرِجْلِي؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَا بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا رَأَوْا! فَفَعَلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ. قَالَ: فَسَارَ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَهِيَ أَرْيَحَاءَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ عَيْنًا، مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنًا، لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ. قَالَ: فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ هَيْئَتِهِمْ وَجُثَثِهِمْ وَعِظَمِهِمْ، فَدَخَلُوا حَائِطًا لِبَعْضِهِمْ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِيَجْتَنِيَ الثِّمَارَ مِنْ حَائِطِهِ، فَجَعَلَ يَجْتَنِي الثِّمَارَ وَيَنْظُرُ إِلَى آثَارِهِمْ، وَتَتَبَّعَهُمْ. فَكُلَّمَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ مَعَ الْفَاكِهَةِ، وَذَهَبَ إِلَى مَلِكِهِمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ الْمَلِكُ: قَدْ رَأَيْتُمْ شَأْنَنَا وَأَمْرَنَا، اذْهَبُوا فَأَخْبِرُوا صَاحِبَكُمْ. قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرِهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} "، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَامٌ وخِلَقٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِقَوْمِهِ: "إِنِّي سَأَبْعَثُ رِجَالًا يَأْتُونَنِي بِخَبَرِهِمْ" وَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَقَالَ: "سِيرُوا إِلَيْهِمْ وَحَدِّثُونِي حَدِيثَهُمْ وَمَا أَمَرَهُمْ، وَلَا تَخَافُوا، إِنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِهِ، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا" وَإِنَّ الْقَوْمَ سَارُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ، فَرَأَوْا أَقْوَامًا لَهُمْ أَجْسَامٌ عَجَبٌ عِظَمًا وَقُوَّةً، وَإِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ أَبْصَرَهُمْ أَحَدُ الْجَبَّارِينَ، وَهُمْ لَا يَأْلُونَ أَنْ يُخْفُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ رَأَوُا الْعَجَبَ. فَأَخَذَ ذَلِكَ الْجَبَّارُ مِنْهُمْ رِجَالًا فَأَتَى رَئِيسَهُمْ، فَأَلْقَاهُمْ قُدَّامَهُ، فَعَجِبُوا وَضَحِكُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: "فَإِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَزْوَكُمْ"!! وَأَنَّهُ لَوْلَا مَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَقُتِلُوا، وَأَنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَحَدَّثُوهُ الْعَجَبَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: "اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا" مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ، أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ، فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُلُ فِي كُمِّ أَحَدِهِمُ اثْنَانِ مِنْهُمْ، يُلْقُونَهُمْ إِلْقَاءً، وَلَا يَحْمِلُ عُنْقُودَ عِنَبِهِمْ إِلَّا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ بَيْنَهُمْ فِي خَشَبَةٍ، وَيَدْخُلُ فِي شَطْرِ الرُّمَّانَةِ إِذَا نُزِعَ حَبُّهَا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ، أَوْ أَرْبَعَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: "إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ" قَالَ: سَفَلَةٌ لَا خَلَاقَ لَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ قَوْمِ مُوسَى لِمُوسَى، جَوَابًا لِقَوْلِهِ لَهُمْ: " {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} "، فَقَالُوا: " {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} "، يَعْنُونَ: [حَتَّى يَخْرُجَ] مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الْجَبَّارُونَ الَّذِينَ فِيهَا، جُبْنًا مِنْهُمْ، وَجَزَعًا مِنْ قِتَالِهِمْ. وَقَالُوا لَهُ: إِنْ يَخْرُجْ مِنْهَا هَؤُلَاءِ الْجَبَّارُونَ دَخَلْنَاهَا، وَإِلَّا فَإِنَّا لَا نُطِيقُ دُخُولَهَا وَهُمْ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَلَا يَدَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّ كَالِبَ بْنَ يَافَنَّا، أَسْكَتَ الشَّعْبَ عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّا سَنَعْلُو الْأَرْضَ وَنَرِثُهَا، وَإِنَّ لَنَا بِهِمْ قُوَّةً! وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فَقَالُوا: لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَصِلَ إِلَى ذَلِكَ الشَّعْبِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَجْرَأَ مِنَّا! ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْجَوَاسِيسَ أَخْبَرُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْخَبَرَ، وَقَالُوا: إِنَّا مَرَرْنَا فِي أَرْضٍ وَحَسِسْنَاهَا، فَإِذَا هِيَ تَأْكُلُ سَاكِنَهَا، وَرَأَيْنَا رِجَالَهَا جِسَامًا، وَرَأَيْنَا الْجَبَابِرَةَ بَنِي الْجَبَابِرَةِ، وَكُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ مِثْلَ الْجَرَادِ! فَأَرْجَفَتِ الْجَمَاعَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ. فَبَكَى الشَّعْبُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَوَسْوَسُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، فَقَالُوا لَهُمَا: يَا لَيْتَنَا مِتْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ ! وَلَيْتَنَا نَمُوتُ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ، وَلَمْ يُدْخِلْنَا اللَّهُ هَذِهِ الْأَرْضَ لِنَقَعَ فِي الْحَرْبِ، فَتَكُونُ نِسَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَأَثْقَالُنَا غَنِيمَةً! وَلَوْ كُنَّا قُعُودًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، كَانَ خَيْرًا لَنَا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا نَجْعَلْ عَلَيْنَا رَأْسًا وَنَنْصَرِفْ إِلَى مِصْرَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنِ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى: "يُوشَعَ بْنِ نُون" وَ" كَالِبَ بْنِ يَافَنَّا "، أَنَّهُمَا وَفَّيَا لِمُوسَى بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِمَا مِنْ تَرْكِ إِعْلَامِ قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ بِمَا رَأَيَا وَعَايَنَا مِنْ شِدَّةِ بَطْشِ الْجَبَابِرَةِ وَعِظَمِ خَلْقِهِمْ، وَوَصْفَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُمَا مِمَّنْ يَخَافُ اللَّهَ وَيُرَاقِبُهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ ح، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "قَالَ: رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"، قَالَ: كِلَابُ بْنُ يَافَنَّا، وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " {رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} "، قَالَ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكِلَابُ بْنُ يَافَنَّا، وَهُمَا مِنَ النُّقَبَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ النُّقَبَاءُ، كُلُّهُمْ يَنْهَى سِبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ، إِلَّا يُوشَعَ بْنَ نُونٍ، وَكِلَابَ بْنَ يَافَنَّةَ، يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاطَ بِقِتَالِ الْجَبَّارِينَ وَمُجَاهَدَتِهِمْ، فَعَصَوْهُمَا، وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ، فَهُمَا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ إِلَّا أَنَّ ابْنَ حُمَيْدٍ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: هُمَا مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا. قَالَ: فَرَجَعُوا يَعْنِي النُّقَبَاءَ الِاثْنَى عَشَرَ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: اكْتُمُوا شَأْنَهُمْ، وَلَا تُخْبِرُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمُوهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فَشِلُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَذَهَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَ قَرِيبَهُ وَابْنَ عَمِّهِ، إِلَّا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكِلَابُ بْنُ يُوفَنَّةَ فَإِنَّهُمَا كَتَمَا وَلَمْ يُخْبِرَا بِهِ أَحَدًا، وَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} "، إِلَى قَوْلِهِ: " {وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} ". حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"، وَهُمَا اللَّذَانِ كَتَمَاهُمْ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ فَتَى مُوسَى، وَكَالُوبُ بْنُ يُوفَنَّةَ خَتَنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ: "قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"، كَالُوبُ، وَيُوشَعُ بْنُ النُّونِ فَتَى مُوسَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: "قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"، وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: يُوشَعُ بْنُ النُّونِ، وَكَالُوبُ بْنُ يُوفَنَّةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: أَنْ مُوسَى قَالَ لِلنُّقَبَاءِ لَمَّا رَجَعُوا فَحَدَّثُوهُ الْعَجَبَ: "لَا تُحَدِّثُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ، إِنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُهَا لَكُمْ وَيُظْهِرَكُمْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ مَا رَأَيْتُمْ" وَإِنَّ الْقَوْمَ أَفْشَوُا الْحَدِيثَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، كَانَ أَحَدُهُمَا فِيمَا سَمِعْنَا، يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَهُوَ فَتَى مُوسَى، وَالْآخَرُ كَالِبُ- فَقَالَا: "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ" إِلَى"إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: " {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} ". قَرَأَ ذَلِكَ قَرَأَةُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} بِفَتْحِ "الْيَاءِ" مِنْ "يَخَافُونَ"، عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا، أَنَّهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ، مِنْ قَوْمِ مُوسَى، مِمَّنْ يَخَافُ اللَّهَ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّوْفِيقِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ح، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} "، فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: {يَخَافُونَ اللَّهَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا}. وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُوشَعُ، وَكَالِبُ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} بِضَمِّ الْيَاءِ {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا}. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ وَلَا نَعْلَمُهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ: {يَخَافُونَ}. وَكَأَنَّ سَعِيدًا ذَهَبَ فِي قِرَاءَتِهِ هَذِهِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: " {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} "، كَانَا مِنْ رَهْطِ الْجَبَابِرَةِ، وَكَانَا أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى، فَهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْجَبَابِرَةِ الَّذِينَ يَخَافُهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَإِنْ كَانُوا لَهُمْ فِي الدِّينِ مُخَالِفِينَ. وَقَدْ حُكِيَ نَحْوَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: " {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} "، قَالَ: هِيَ مَدِينَةُ الْجَبَّارِينَ. لَمَّا نَزَلَ بِهَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، بَعَثَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَهُمُ النُّقَبَاءُ الَّذِينَ ذُكِرَ بِعْثَتُهُمْ لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِهِمْ. فَسَارُوا، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ، فَجَعَلَهُمْ فِي كِسَائِهِ، فَحَمَلَهُمْ حَتَّى أَتَى بِهِمُ الْمَدِينَةَ، وَنَادَى فِي قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ قَوْمُ مُوسَى، بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ لِنَأْتِيَهُ بِخَبَرِكُمْ! فَأَعْطَوْهُمْ حَبَّةً مِنْ عِنَبٍ بِوِقْرِ الرَّجُلِ، فَقَالُوا لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَوْمِهِ فَقُولُوا لَهُمْ: اقدُرُوا قَدْرَ فَاكِهَتِهِمْ! فَلَمَّا أَتَوْهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: " {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلًا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} "!"قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"، وَكَانَا مَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى وَهَارُونَ، فَقَالَا لِمُوسَى: " {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلِ، لَمْ يَكْتُمْ مِنَ الِاثْنَى عَشَرَ نَقِيبًا أَحَدٌ، مَا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِكِتْمَانِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّا رَأَوْا وَعَايَنُوا مِنْ عِظَمِ أَجْسَامِ الْجَبَابِرَةِ، وَشِدَّةِ بَطْشِهِمْ، وَعَجِيبِ أُمُورِهِمْ، بَلْ أَفْشَوْا ذَلِكَ كُلَّهُ. وَإِنَّمَا الْقَائِلُ لِلْقَوْمِ وَلِمُوسَى: "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ"، رَجُلَانِ مِنْ أَوْلَادِ الَّذِينَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَخَافُونَهُمْ وَيَرْهَبُونَ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، كَانَا أَسْلِمَا وَتَبِعَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} لِإِجْمَاعِ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهَا وَأَنَّ مَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْهُمْ، فَحُجَّةٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ الْوَاحِدُ، فَجَائِزٌ فِيهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ. ثُمَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ فِي تَأْوِيلِهَا عَلَى أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُمَا يُوشَعُ وَكِلَابُ، مَا أَغْنَى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِفَتْحِ "الْيَاءِ" فِي ذَلِكَ، وَفَسَادِ غَيْرِهِ. وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعِهَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا"، فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي طَاعَةِ نَبِيِّهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَانْتِهَائِهِمْ إِلَى أَمْرِهِ، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَهُمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ إِفْشَاءِ مَا عَايَنَا مِنْ عَجِيبِ أَمْرِ الْجَبَّارِينَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ أَصْحَابُهُمَا الْآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا مِنَ النُّقَبَاءِ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَلِيٍّ قَوْلَهُ: " {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} "، قَالَ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ الضَّحَّاكُ يَقُولُ، وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} "، بِالْهُدَى فَهَدَاهُمَا، فَكَانَا عَلَى دِينِ مُوسَى، وَكَانَا فِي مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّهَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ جَبُنُوا وَخَافُوا مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ، لَمَّا سَمِعُوا خَبَرَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمُ النُّقَبَاءُ الَّذِينَ أَفْشَوْا مَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرِهِمْ فِيهِمْ، وَقَالُوا: " {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} "، فَقَالَا لَهُمُ: ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَيُّهَا الْقَوْمُ بَابَ مَدِينَتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ، وَهُوَ نَاصِرُكُمْ، وَإِنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُ الْبَابَ غَلَبْتُمُوهُمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، قَالَ: لَمَّا هَمَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْرَ، حِينَ أَخْبَرَهُمُ النُّقَبَاءُ بِمَا أَخْبَرُوهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَبَابِرَةِ، خَرَّ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى وُجُوهِهِمَا سُجُودًا قُدَّامَ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَّقَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بْنُ يَافَنَّا ثِيَابَهُمَا، وَكَانَا مِنْ جَوَاسِيسِ الْأَرْضِ، وَقَالَا لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: "إِنَّ الْأَرْضَ مَرَرْنَا بِهَا وَحَسِسْنَاهَا صَالِحَةً، رَضِيَهَا رَبُّنَا لَنَا فَوَهَبَهَا لَنَا، وَإِنَّهَا.. تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا وَلَكِنِ افْعَلُوا وَاحِدَةً: لَا تَعْصُوا اللَّهَ، وَلَا تَخْشَوُا الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا، فَإِنَّهُمْ خُبْزُنَا، ومُدَفَّعُونَ فِي أَيْدِينَا، إِنَّ كِبْرِيَاءَهُمْ ذَهَبَتْ مِنْهُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَلَا تَخْشَوْهُمْ. فَأَرَادَ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا عُيُونًا لَهُمْ، وَلِيَأْتُوهُمْ بِأَخْبَارِ الْقَوْمِ. فَأَمَّا عَشْرَةٌ فَجَبَّنُوا قَوْمَهُمْ وَكَرَّهُوا إِلَيْهِمُ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الرَّجُلَانِ فَأَمَرَا قَوْمَهُمَا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَأَنْ يَتَّبِعُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَرَغَّبَا فِي ذَلِكَ، وَأَخْبَرَا قَوْمَهُمَا أَنَّهُمْ غَالِبُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: "عَلَيْهِمُ الْبَابَ"، قَرْيَةُ الْجَبَّارِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّهَ، أَنَّهُمَا قَالَا لِقَوْمِ مُوسَى يُشَجِّعَانِهِمْ بِذَلِكَ، وَيُرَغِّبَانِهِمْ فِي الْمُضِيِّ لِأَمْرِ اللَّهِ بِالدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ فِي مَدِينَتِهِمْ تَوَكَّلُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ، عَلَى اللَّهِ فِي دُخُولِكُمْ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولَانِ لَهُمْ: ثِقُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُ مَعَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّكُمْ. وَعَنَيَا بِقَوْلِهِمَا: "إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَنْبَأَكُمْ عَنْ رَبِّكُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إِخْبَارِهِ عَنْ رَبِّهِ وَمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ رَبَّكُمْ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ لَكُمْ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ تَمْكِينِكُمْ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ الْمَلَإِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى لِمُوسَى، إِذْ رُغِّبُوا فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَوُعِدُوا نَصْرَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ إِنْ هُمْ نَاهَضُوهُمْ وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ بَابَ مَدِينَتِهِمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: " {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا} " يَعْنُونَ: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَ مَدِينَتَهُمْ أَبَدًا. وَ "الهَاءُ وَالْأَلِفُ" فِي قَوْلِهِ: "إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا"، مِنْ ذِكْرِ "المَدِينَةِ". وَيَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ: "أَبَدًا"، أَيَّامَ حَيَاتِنَا "مَا دَامُوا فِيهَا"، يَعْنُونَ: مَا كَانَ الْجَبَّارُونَ مُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُمْ وَأُمِرُوا بِدُخُولِهَا" {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} "، لَا نَجِيءُ مَعَكَ يَا مُوسَى إِنْ ذَهَبْتَ إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ، وَلَكِنْ نَتْرُكُكَ تَذْهَبُ أَنْتَ وَحْدَكَ وَرَبَّكَ فَتُقَاتِلَانِهِمْ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ: اذْهَبْ أَنْتَ، وَلْيَذْهَبْ مَعَكَ رَبُّكَ فَقَاتِلَا وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: اذْهَبْ أَنْتَ، يَا مُوسَى، وَلْيُعِنْكَ رَبُّكَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الذَّهَابُ. وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْمَخْرَجِ لَهُ، لَوْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. فَأَمَّا قَوْمٌ أَهْلُ خِلَافٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَرَسُولِهِ، فَلَا وَجْهَ لِطَلَبِ الْمَخْرَجِ لِكَلَامِهِمْ فِيمَا قَالُوا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ، إِلَّا بِمَا يُشْبِهُ كُفْرَهُمْ وَضَلَالَتَهُمْ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خِلَافَ مَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: "اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ"، وَلَكِنْ نَقُولُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، حِينَ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ الْهَدْيَ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ: "إِنِّي ذَاهِبٌ بِالْهَدْيِ فَنَاحِرُهُ عِنْدَ الْبَيْتِ! فَقَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَمَا وَاللَّهِ لَا نَكُونُ كَالْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: "اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ" وَلَكِنْ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ! فَلَمَّا سَمِعَهَا أَصْحَابُ نَبِيِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمَا يَقُولُونَ: إِنَّمَا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَمْرُ الْجَبَّارِينَ وَشِدَّةُ بَطْشِهِمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مَعَ نَبِيِّهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ لَهُمْ مُوسَى: "ادْخُلُوهَا"، فَأَبَوْا وَجَبُنُوا، وَبَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ، فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا فَجَاءُوا بِحَبَّةِ فَاكِهَةٍ مِنْ فَاكِهَتِهِمْ بِوِقْرِ الرَّجُلَ، فَقَالُوا: اقْدُرُوا قُوَّةَ قَوْمٍ وَبَأْسَهُمْ هَذِهِ فَاكِهَتُهُمْ! فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى: " {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قِيلِ قَوْمِ مُوسَى حِينَ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ مَا قَالُوا، مِنْ قَوْلِهِمْ: " {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} " أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَغَضِبَ مِنْ قِيلِهِمْ لَهُ، دَاعِيًا: يَا رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي يَعْنِي بِذَلِكَ، لَا أَقْدِرُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَى مَا أُحِبُّ وَأُرِيدُ مِنْ طَاعَتِكَ وَاتِّبَاعِ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، إِلَّا عَلَى نَفْسِي وَعَلَى أَخِي. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "مَا أَمْلِكُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا إِلَّا كَذَا وَكَذَا"، بِمَعْنَى: لَا أَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرَهُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: " {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، افْصِلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِقَضَاءٍ مِنْكَ تَقْضِيهِ فِينَا وَفِيهِمْ فَتُبْعِدُهُمْ مِنَّا. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "فَرَّقْتُ بَيْنَ هَذَيْنَ الشَّيْئَيْنِ"، بِمَعْنَى: فَصَلْتُ بَيْنَهُمَا، مِنْ قَوْلِ الرَّاجِزِ: يَا رَبِّ فافْرُقْ بَيْنَهُ وَبَيْنِي *** أَشَدَّ مَا فَرَّقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، يَقُولُ: اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ"، يَقُولُ: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: غَضِبَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ الْقَوْمُ: " {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} "، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، وَكَانَتْ عَجْلَةً مِنْ مُوسَى عَجِلَهَا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، يَقُولُ: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ كُلَّ هَذَا يَقُولُ الرَّجُلُ: "اقْضِ بَيْنَنَا فَقَضَاءُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ سَمَّاهُمْ "فَاسِقِينَ". وَعَنَى بِقَوْلِهِ: "الْفَاسِقِينَ" الْخَارِجِينَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِهِ إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّمَعْنَى "الفِسْقِ"، الْخُرُوجَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّاصِبِ لِـ "الأَرْبَعِينَ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّاصِبُ لَهُ قَوْلُهُ: "مُحَرَّمَةٌ"، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عَصَوْهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى وَأَبَوْا حَرْبَ الْجَبَّارِينَ دُخُولَ مَدِينَتِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ وَأَسْكَنَهُمُوهَا، وَأَهْلَكَ الْجَبَّارِينَ بَعْدَ حَرْبٍ مِنْهُمْ لَهُمْ، بَعْدَ أَنِ انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً وَخَرَجُوا مِنَ التِّيهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: لَمَّا قَالَ لَهُمُ الْقَوْمُ مَا قَالُوا، وَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: " {إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ، فِيمَا ذُكِرَ، سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. فَجَعَلَهُمْ "فَاسِقِينَ" بِمَا عَصَوْا. فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي فَرَاسِخَ سِتَّةٍ، أَوْ دُونَ ذَلِكَ، يَسِيرُونَ كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ لِكَيْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، حَتَّى سَئِمُوا وَنَزَلُوا، فَإِذَا هُمْ فِي الدَّارِ الَّتِي مِنْهَا ارْتَحَلُوا وَإِنَّهُمُ اشْتَكَوْا إِلَى مُوسَى مَا فُعِلَ بِهِمْ، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأُعْطُوا مِنَ الْكُسْوَةِ مَا هِيَ قَائِمَةٌ لَهُمْ، وَيَنْشَأُ النَّاشِئُ فَتَكُونُ مَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ. وَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُمْ، فَأَتَى بِحَجَرِ الطُّورِ، وَهُوَ حَجَرٌ أَبْيَضُ، إِذَا مَا نَزَلَ الْقَوْمُ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنٌ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ. حَتَّى إِذَا خَلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَانَتْ عَذَابًا بِمَا اعْتَدَوْا وَعَصَوْا، أَوْحَى إِلَى مُوسَى: أَنْ مُرْهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاهُمْ عَدُوَّهُمْ، وَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوُا الْمَسْجِدَ: أَنْ يَأْتُوا الْبَابَ، وَيَسْجُدُوا إِذَا دَخَلُوا، وَيَقُولُوا: "حِطَّةٌ" وَإِنَّمَا قَوْلُهُمْ: "حِطَّةٌ"، أَنْ يَحُطَّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ فَأَبَى عَامَّةُ الْقَوْمِ وَعَصَوْا، وَسَجَدُوا عَلَى خَدِّهِمْ، وَقَالُوا: "حِنْطَةٌ"، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} إِلَى {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 59]. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ النَّاصِبُ لِـ "الأَرْبَعِينَ"، "يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ". قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَالَ: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالُوا: وَلَمْ يَدْخُلْ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ أَحَدٌ مِمَّنْ قَالَ: " {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} "، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَإِنَّمَا دَخَلَهَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ يُوشَعُ وَكِلَابُ، اللَّذَانِ قَالَا لَهُمُ: " {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} "، وَأَوْلَادُ الَّذِينَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا، فَتَيَّهَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: " {إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} "، قَالَ: أَبَدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} "، قَالَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} "، قَالَ: التَّحْرِيمُ، التَّيْهَاءُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: غَضِبَ مُوسَى عَلَى قَوْمِهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إلَّا نَفْسِي وَأَخِي} " الْآيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: " {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} ". فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ، نَدِمَ مُوسَى. وَأَتَاهُ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَانُوا [مَعَهُ] يُطِيعُونَهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَا صَنَعْتَ بِنَا يَا مُوسَى ! فَمَكَثُوا فِي التِّيهِ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ التِّيهِ، رُفِعَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَأَكَلُوا مِنَ الْبُقُولِ. وَالْتَقَى مُوسَى وَعَاجٌ، فَنَزَا مُوسَى فِي السَّمَاءِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَكَانَتْ عَصَاهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَ طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَأَصَابَ كَعْبَ عَاجٍ فَقَتَلَهُ. وَلَمْ يَبْقَ [أَحَدٌ] مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ مَعَ مُوسَى، إِلَّا مَاتَ وَلَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ لَمَّا انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً، بَعَثَ يُوشَعَ بْنَ النُّونِ نَبِيًّا، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْجَبَّارِينَ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ، فَهَزَمَ الْجَبَّارِينَ وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ يَقْتُلُونَهُمْ، فَكَانَتِ الْعِصَابَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُقِ الرَّجُلِ يَضْرِبُونَهَا لَا يَقْطَعُونَهَا. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَمَّا دَعَا مُوسَى: " {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} ". قَالَ: فَدَخَلُوا التِّيهَ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ التِّيهَ مِمَّنْ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ سَنَةً مَاتَ فِي التِّيهِ. قَالَ: فَمَاتَ مُوسَى فِي التِّيهِ، وَمَاتَ هَارُونُ قَبْلَهُ. قَالَ: فَلَبِثُوا فِي تِيهِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَنَاهَضَ يُوشَعُ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ، فَافْتَتَحَ يُوشَعُ الْمَدِينَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: " {إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} "، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ [الْقُرَى]، فَكَانُوا لَا يَهْبِطُونَ قَرْيَةً وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الْأَطْوَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مِنْهُمْ إِلَّا أَبْنَاؤُهُمْ وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ قَالَا مَا قَالَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَالَ: لَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا فَعَلَتْ مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ نَبِيَّهُمْ، وَهَمِّهِمْ بِكَالِبَ وَيُوشَعَ، إِذْ أَمَرَاهُمْ بِدُخُولِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ، وَقَالَا لَهُمْ مَا قَالَا ظَهَرَتْ عَظَمَةُ اللَّهِ بِالْغَمَامِ عَلَى بَابِ قُبَّةِ الزُّمَرِ عَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى: إِلَى مَتَى يَعْصِينِي هَذَا الشَّعْبُ؟ وَإِلَى مَتَى لَا يُصَدِّقُونَ بِالْآيَاتِ كُلِّهَا الَّتِي وَضَعْتُ بَيْنَهُمْ؟ أَضْرِبُهُمْ بِالْمَوْتِ فَأُهْلِكُهُمْ، وَأَجْعَلُ لَكَ شَعْبًا أَشَدَّ وَأَكْبَرَ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ مُوسَى: يَسْمَعُ أَهْلُ الْمِصْرِ الَّذِينَ أَخْرَجْتَ هَذَا الشَّعْبَ بِقُوَّتِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَيَقُولُ سَاكِنُ هَذِهِ الْبِلَادِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ فِي هَذَا الشَّعْبِ، فَلَوْ أَنَّكَ قَتَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ كُلَّهُمْ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، لَقَالَتِ الْأُمَمُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِاسْمِكَ: "إِنَّمَا قَتَلَ هَذَا الشَّعْبَ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ"، وَلَكِنْ لِتَرْتَفِعْ أَيَادِيكَ وَيَعْظُمْ جَزَاؤُكَ، يَا رَبِّ، كَمَا كُنْتَ تَكَلَّمْتَ وَقُلْتَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ طَوِيلٌ صَبْرُكَ، كَثِيرَةٌ نِعَمُكَ، وَأَنْتَ تَغْفِرُ الذُّنُوبَ فَلَا تُوبِقْ، وَإِنَّكَ تَحْفَظُ [ذَنْبَ] الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَأَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَحْقَابٍ وَأَرْبَعَةٍ. فَاغْفِرْ، أَيْ رَبِّ، آثَامَ هَذَا الشَّعْبِ بِكَثْرَةِ نِعَمِكَ، وَكَمَا غَفَرْتَ لَهُمْ مُنْذُ أَخْرَجْتَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الْآنَ. فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ بِكَلِمَتِكَ، وَلَكِنْ حَيٌّ أَنَا، وَقَدْ مَلَأَتِ الْأَرْضَ مَحْمَدَتِي كُلَّهَا، لَا يَرَى الْقَوْمُ الَّذِينَ قَدْ رَأَوْا مَحْمَدَتِي وَآيَاتِي الَّتِي فَعَلْتُ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي الْقِفَارِ، وَابْتَلَوْنِي عَشْرَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يُطِيعُونِي، لَا يَرَوْنَ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ، وَلَا يَرَاهَا مَنْ أَغْضَبَنِي، فَأَمَّا عَبْدِي كَالِبُ الَّذِي كَانَ رُوحُهُ مَعِي وَاتَّبَعَ هَوَايَ، فَإِنِّي مُدْخِلُهُ الْأَرْضَ الَّتِي دَخَلَهَا، وَيَرَاهَا خَلَفُهُ. وَكَانَ الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ جُلُوسًا فِي الْجِبَالِ، ثُمَّ غَدَوْا فَارْتَحَلُوا إِلَى الْقِفَارِ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ لَهُمَا: إِلَى مَتَى تُوَسْوِسُ عَلَيَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ جَمَاعَةَ السُّوءِ؟ قَدْ سَمِعْتُ وَسْوَسَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ: لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا قُلْتُ لَكُمْ، وَلَتُلْقَيَنَّ جِيَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ، وَكَحِسَابِكُمْ، مِنْ بَنِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ عَلَيَّ، فَلَا تَدْخُلُوا الْأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ [يَدِي] إِلَيْهَا، وَلَا يَنْزِلُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ غَيْرَ كَالِبَ بْنِ يُوفَنَّا وَيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَتَكُونُ أَثْقَالُكُمْ كَمَا كُنْتُمُ الْغَنِيمَةَ، وَأَمَّا بَنُوكُمُ الْيَوْمَ الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْأَرْضَ، وَإِنِّي بِهِمْ عَارِفٌ، لَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي أَرَدْتُ لَهُمْ، وَتَسْقُطُ جِيَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ، وَتَتِيهُونَ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ عَلَى حِسَابِ الْأَيَّامِ الَّتِي حَسَسْتُمُ الْأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ سَنَةً وَتُقْتَلُونَ بِخَطَايَاكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ قُدَّامِي. إِنَّى أَنَا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ وُعِدُوا قُدَّامِي بِأَنْ يَتِيهُوا فِي الْقِفَارِ، فِيهَا يَمُوتُونَ. فَأَمَّا الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانَ مُوسَى بَعَثَهُمْ لِيَتَحَسَّسُوا الْأَرْضَ، ثُمَّ حَرَّشُوا الْجَمَاعَةَ، فَأَفْشَوْا فِيهِمْ خَبَرَ الشَّرِّ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ بَغْتَةً، وَعَاشَ يُوشَعُ وَكَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ انْطَلَقُوا يَتَحَسَّسُونَ الْأَرْضَ. فَلَمَّا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، حَزِنَ الشَّعْبُ حُزْنًا شَدِيدًا، وَغَدَوْا فَارْتَفَعُوا، إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَقَالُوا: نَرْتَقِي الْأَرْضَ الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: "لِمَ تَعْتَدُونَ فِي كَلَامِ اللَّهِ؟ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لَكُمْ عَمَلٌ، وَلَا تَصْعَدُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ مَعَكُمْ، فَالْآنَ تَنْكَسِرُونَ مِنْ قُدَّامِ أَعْدَائِكُمْ، مِنْ أَجْلِ الْعَمَالِقَةِ وَالْكَنْعَانِيِّينَ أَمَامَكُمْ، فَلَا تَقَعُوا فِي الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمُ انْقَلَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَكُمْ". فَأَخَذُوا يَرْقَوْنَ فِي الْجَبَلِ، وَلَمْ يَبْرَحِ التَّابُوتُ الَّذِي فِيهِ مَوَاثِيقُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَمُوسَى مِنَ الْمَحَلَّةِ-يَعْنِي: مِنَ الْخَيْمَةِ- حَتَّى هَبَطَ الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ، فَحَرَقُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فَتَيَّهَهُمُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِالْمَعْصِيَةِ، حَتَّى هَلَكَ مَنْ كَانَ اسْتَوْجَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا شَبَّ النَّوَاشِئُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ وَهَلَكَ آبَاؤُهُمْ، وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً الَّتِي تُيِّهُوا فِيهَا، وَسَارَ بِهِمْ مُوسَى وَمَعَهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا، وَكَانَ-فِيمَا يَزْعُمُونَ- عَلَىمَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَأُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ، وَكَانَ لَهُمَا صِهْرًا، قَدِمَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى أَرْيَحَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَخَلَهَا بِهِمْ، وَقَتَلَ بِهَا الْجَبَابِرَةَ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا، ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، لَا يَعْلَمُ قَبْرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ "الأَرْبَعِينَ" مَنْصُوبَةٌ بِـ "التَّحْرِيمِ" وَإِنَّ قَوْلَهُ: " {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} "، مَعْنِيٌّ بِهِ جَمِيعَ قَوْمِ مُوسَى، لَا بَعْضَ دُونِ بَعْضٍ مِنْهُمْ. لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ عَمَّ بِذَلِكَ الْقَوْمَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ وَفَّى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، فَتَيَّهَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَحَرَّمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً الَّتِي مَكَثُوا فِيهَا تَائِهِينَ، دُخُولَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ، وَلَا صَالِحٌ وَلَا طَالِحٌ، حَتَّى انْقَضَتِ السُّنُونُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فِيهَا دُخُولَهَا. ثُمَّ أُذِنَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ بِدُخُولِهَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى وَالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَافْتَتَحَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ يُوشَعُ، وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ عَوْجَ بْنَ عَنَاقٍ قَتْلَهُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ إِيَّاهُ قَبْلَ مَصِيرِهِ فِي التِّيهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَبَّارِينَ خَلْقًا، لَمْ تَكُنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَجْزَعُ مِنَ الْجَبَّارِينَ الْجَزَعَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهَا. وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بَعْدَ فَنَاءِ الْأُمَّةِ الَّتِي جَزِعَتْ وَعَصَتْ رَبَّهَا، وَأَبَتِ الدُّخُولَ عَلَى الْجَبَّارِينَ مَدِينَتَهُمْ. وَبَعْدُ: فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ بُلْعُمَ بْنَ بَاعُورَ، كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ الْجَبَّارِينَ بِالدُّعَاءِ عَلَى مُوسَى. وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ وَقَوْمُ مُوسَى مُمْتَنِعُونَ مِنْ حَرْبِهِمْ وَجِهَادِهِمْ، لِأَنَّ الْمَعُونَةَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَطْلُوبًا، فَأَمَّا وَلَا طَالِبَ، فَلَا وَجْهَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَوْفٍ قَالَ: كَانَ سَرِيرُ عَوْجٍ ثَمَانِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَ طُولُ مُوسَى عَشْرَةُ أَذْرُعِ، وَعَصَاهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، وَوَثَبَ فِي السَّمَاءِ عَشْرَةَ أَذْرُعِ، فَضَرَبَ عَوْجًا فَأَصَابَ كَعْبَهُ، فَسَقَطَ مَيِّتًا، فَكَانَ جِسْرًا لِلنَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ عَصَا مُوسَى عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، وَوَثْبَتُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، وَطُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، فَوَثَبَ فَأَصَابَ كَعْبَ عَوْجٍ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ جِسْرًا لِأَهْلِ النِّيلِ سَنَةً. وَمَعْنَى: "يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ"، يَحَارُونَ فِيهَا وَيَضِلُّونَ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الضَّالِّ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ: "تَائِهٌ". وَكَانَ تِيهُهُمْ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُصْبِحُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ فِي قَدْرِ سِتَّةِ فَرَاسِخَ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ، فَيُمْسُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَأُوا السَّيْرَ مِنْهُ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسَوْا، وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا فِي تِيهِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "فَلَا تَأْسَ"، فَلَا تَحْزَنْ. يُقَالُ مِنْهُ: "أَسِيَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا يَأْسَى أَسًى"، وَ"قَدْ أَسَيْتُ مِنْ كَذَا"، أَيْ حَزِنْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ *** يَقُولُونَ: لَا تَهْلِكْ أَسًى وتَجَمَّلِ يَعْنِي: لَا تَهْلِكْ حُزْنًا. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "فَلَا تَأْسَ" يَقُولُ: فَلَا تَحْزَنْ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ، نَدِمَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: " {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} "، لَا تَحْزَنْ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ "فَاسِقِينَ"، فَلَمْ يَحْزَنْ.
|